الجمعيات الثقافية الأهلية ذات الطابع الديني ودورها الإصلاحي في مصر
كانت الجمعيات الثقافية الأهلية، ذات الطابع الديني، ملمح من ملامح الإصلاح الذي شهدته مصر في القرن الــ 19، حيث كانت هذه الجمعيات تمثل مرحلة زمنية غنية ومتميزة في سياق التطور الاجتماعي والثقافي للفكر المصري عبر تاريخها الطويل، هذا الفكر الذي تسكنه وتكمن فيه الروح الإصلاحية بشكل ثابت ومستمر على الدوام.
الجمعيات الثقافية الأهلية ذات الطابع الديني
ويشير الباحث دكتور وائل إبراهيم الدسوقي في كتابه "التاريخ الثقافي لمصر"، إلي أن العديد من الجمعيات الثقافية الأهلية كانت تتبع طوائف دينية في مصر، وحملت طابعا خيريا٬ أقامها البعض لخدمة أهل دياناتهم، ومساعدة الفقراء منهم وإقامة نشاط تعليمي وتثقيفي، ثم خدمة مجتمعهم بتقديم ألوان الفنون والثقافة المختلفة، والتي يأتي نتاجها بالنفع وتحقيق الهدف الخيري، وكانت مكانا مثاليا للاجتماع والنقاش في قضايا المجتمع، سواء بصورة علنية أو سرية.
وكثرت الجمعيات الدينية في مصر وتنوعت بسبب تعدد الديانات علي أرضها، فإلى جانب المسلمين كان المسيحيون واليهود يتشاركون العمل الأهلي بما عاد على المجتمع المصري بأكبر فائدة.
الجمعيات الثقافية الأهلية المسيحية
يتتبع الباحث الجمعيات الثقافية الأهلية الدينية من الدور المسيحي لأنه الأقدم في تأسيس الجمعيات الأهلية في مصر حينما أسسوا الجمعية الأرثوذكسية الخيرية بدمياط 1860.
وينقسم الدور الثقافي المسيحي في مصر إلى شقين، أولهما الدور الرسمي الذي تبنته الكنيسة المصرية آنذاك، وكان له أكبر الأثر على المجتمع المصري ونهضته، وثانيهما الدور المسيحي الأهلي والذي تمثل في رغبة المسيحيين المصريين أفرادا وجماعات في القيام بدور فعال في نهضة مجتمعهم.
ومن أهم هذه الجمعيات: الجمعية الأرثوذكسية بدمياط٬ الجمعية الخيرية الأرثوذكسية بالإسكندرية، جمعية التوفيق القبطية وأسسها حبشي ميخائيل مفتاح، جمعية المساعي الخيرية القبطية، وجمعية الإيمان القبطية، والأخيرة كانت أفضل جمعية مسيحية تفتخر بها البلاد وتتباهي بما وصلت إليه من التقدم، وكان لها اليد الطولى في تأسيس جملة من المدارس وإنشاء مطبعة ومكتبة ومجلة تهذيبية، كما أنشأت مستشفي للمسيحيين ترعى شئونهم الصحية.
الجمعيات الثقافية الأهلية الإسلامية
ويضيف “الدسوقي”: أما الجمعيات الثقافية الإسلامية فقد حملت رسالة تثقيفية تعليمية إلي جانب رسالتيها الدينية والخيرية، وكانت السمة العامة لها هي التركيز علي هدفها المباشر دون الخوض في مسائل الدعوة الإسلامية، وكان تركيزها مثاليا في محاربة الفقر والجهل والمرض، فقد فطنت إلى أن حل تلك المشكلات يكمن في توفير التعليم والتثقيف اللازم للفقراء.
ومن تلك الجمعيات: جمعية رواق الشام بالجامع الأزهر، وهي أول جمعية خطابية أدبية ظهرت في مصر، أنشأها طلبة الأزهر السوريون 1873، الجمعية الخيرية الإسلامية الأولى بالإسكندرية، وكان لهذه الجمعية وسيلة لإنتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية، ألا وهي الروايات التمثيلية٬ فقد ألف “عبد الله النديم” من تلامذة الجمعية الخيرية الإسلامية جمعية أخرى أطلق عليها "جمعية الشبان"، ومثلت روايتي، الوطن والعرب من تأليف النديم.
إلى جانب جمعيات العروة الوثقي الخيرية الإسلامية، جمعية التعاون الخيري الإسلامية، الجمعية الخيرية الثانية في االقاهرة، وقد اقتصر نشاط هذه الجمعية علي التعليمـ وكان ذلك مهما للمجتمع المصري آنذاك، خاصة وأن سياسية الإحتلال البريطاني قامت علي تقليص ميزانية التعليم، ما أدى إلى ارتفاع الرسوم الدراسية وقصور التعليم على أبناء الأغنياء، وانتشرت مدارس الجمعية في القاهرة والإسكندرية وطنطا وأسيوط٬ وكان الإقبال يتزايد على الالتحاق بها يوما بعد يوم٬ ووصل عدد تلميذها إلى 336 تلميذا، كانوا يتعلمون بالمجان.
الجمعيات الثقافية الأهلية اليهودية
وعن الجمعيات الثقافية الأهلية اليهودية، فيلفت “الدسوقي” إلى أنها ظهرت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، فكان مكتب منظمة “أبناء العهد” في القاهرة والأسكندرية يحصل على الأموال بشتى الطرق للإنفاق على الأعمال الخيرية المختلفة كتعليم الفقراء وتشغيل العاطلين من أبناء الطائفة.
حملت الجمعيات الإسرائيلية بمصر، أبعادا ثقافية واجتماعية متعددة وكانت الجمعية الخيرية الإسرائيلية من أهم تلك الجمعيات، وكان لها نشاط مسرحي وأدبي ومن أنشطتها أنها مثلت مسرحية "غرام وإنتقام"، كما أقامت حفلة خيرية في الأوبرا لمساعدة المدارس الإسرائيلية المجانية، إلى جانب جمعيات: جمعية الإسرائيليين الخيرية، جمعية الاتحاد الإسرائيلي، جمعية ليف إيحاد وجمعية بركوخبا.